السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لبغداد معالم لا تنسى، ومنها ساعة الأعظمية، التي لها تاريخ طريف وعجيب ذكره لنا "صالح" ابن صانعها "عبد الرزاق محسوب" في كتابه (الساعة الأعظمية)، والذي أوجزناه بهذه الكلمات.
قبل الساعة
تمكّن العثمانيون أن يغنموا مدفعين من الإنكليز في معركة الحويزة التي انتصروا فيها أثناء الحرب العالمية الأولى، ولكن كان لم يستطع العثمانيون إصلاح المدفعين، فتقدم لذلك عبد الرزاق محسوب العبيدي، علماً ان القرار كان يقتضي أنه سيعدم في حال فشله، فوافق، وتمكّن من إصلاحهما.
مع الساعة
في عام 1919 أهديت إلى جامع أبي حنيفة ساعة قديمة، فيها تلف كثير، حاول ناظر الأوقاف إصلاحها، ونشر إعلاناً في جريدة العراق، فتقدّم "محسوب" لهذا العمل، فوجدها –فعلاً- غير قابلة للإصلاح، فاقترح أن يقوم بصناعة ساعة جديدة، فوافقت الأوقاف على طلبه سنة 1921حتى أتمها عام1931 وكانت جميع أجزائها عراقية، فأهداها إلى الأوقاف لينصبوها في جامع أبي حنيفة، وطلب بناء برج لها، فلم يجد الإستجابة لطلبه، وفي عام 1931 زار الملك فيصل الأول كلية دار العلوم الدينية والعربية في الأعظمية، وبعدها زار الملك وعميد الكلية نعمان الأعظمي "محسوباً" ليريا الساعة فأعجب بها الملك، واقترح الحاج نعمان أن تُنصب الساعة في ساحة باب المعظم أمام مكتبة الأوقاف ... وهذا أيضاً لم يتحقق ...
وفي عام 1932 أقيم المعرض الزراعي الصناعي، فطلب محسوب عرضها، فأذهلت الزوار، فوصفها الأديب أمين الريحاني في كتابه (فيصل الأول) بأنها مفخرة العراق، وفي سنة 1952 مرض محسوب، فطلب من ابنه د. صالح أن يراجع الأوقاف، وفي 1953 توفي محسوب، وأخذ ابنه يراجع عليها ويُساعده "محمد بهجت الأثري"، وبعد ثورة 1958 تعين الأثري مديراً عاماً لدائرة الأوقاف، فراجعه د. صالح لذلك، فاعتذر الأثري بقلة واردات الأوقاف.
فقرر د. صالح أن يبني البرج من ماله الخاص، إلا والدته فقد كانت خائفة عليه، فأبوه مات كمداً بسببها، فرجته أن يترك الأمر .. فتركها .. وفي عام 1959 وصل إلى د. صالح كتاب من ديوان مجلس الوزراء فيه الموافقة على بناء برج للساعة، وللموافقة قصة وهي:
ان رجلاً اسمه "علي أصغر"، كانت له علاقة بـ"محمد نجيب الربيعي" رئيس مجلس السيادة، ويزوره بين الحين والآخر، وفي يوم كان عنده فجاء "عبد الكريم قاسم" رئيس الوزراء، فتحدثا حول تشجيع الصناعة الوطنية، فذكر لهم علي أصغر الساعة التي صنعها محسوب فتحمسا لها.
وتم تكليف المهندسين "محب الدين الطائي" و "هشام منير" لهذا العمل، وأخذ د. صالح يجري عليها بعض التعديلات، فوصل الأمر أن نجيب الربيعي رئيس مجلس السيادة أصدر كتاباً يغرّم فيه د. صالح خمسة عشر ألفاً كلفة البرج فضلاً عن الصرفيات الأخرى، وطلب الربيعي إحضار ساعة جديدة من الخارج لوضعها في البرج، فأخبرهم د. صالح أن التعديلات كانت لصالح الساعة نفسها، وأنه سيتم إكمالها حال إتمام بناء البرج، وسانده في موقفه هذا المهندس محب الدين.
الناقوس
من المشاكل التي واجهت د. صالح حول الناقوس أنه لم يجد مَن يصنعه في العراق، فأرسل إلى الشركات الإنكليزية وغيرها، فحصل على عرض جيد، ولكنه فوجئ بكتاب من وزارة الأشغال تخبره فيها بأنه ما دامت الساعة عراقية فيجب أن يكون الناقوس كذلك، فانكب د. صالح يقرأ ويتحرى عن طريقة صنع الناقوس، وبالفعل تم صنع الناقوس الذي كان وزنه 750 كغم وقطر دائرته متر واحد، وعندما أراد رفع الناقوس لم يجد سوى جماعة طلبت منه 1500 دينار ليقوموا بذلك لكنه لم يكن يملك المبلغ، وكان وسط ساحة المسجد شجرة النبك فاتفق مع عمال على ربط رافعة بالشجرة، ومن هذه الرافعة يمتد حبل حديدي متين إلى أعلى البرج ومن ثمَّ يتدلى حبل إلى داخل البرج .. وهكذا تم رفع الناقوس إلى أعلى البرج ..
وفي أواسط عام 1960 بدأت الساعة بالإشتغال، وبعد الإحتلال الأميركي وبالتحديد يوم 10/ 4/ 2004 تعرضت الساعة إلى القصف الأميركي، ثم عاد ديوان الوقف السُنّي لإصلاحها فعادت للعمل عام 2005، وقد تم ترميم البرج بمعونة عدد من الشركات وثلاثة من عائلة محسوب، أمّا السيد فؤاد رشيد محسوب فقد كان هو المسؤول عن إدامة وتشغيل الساعة منذ عام 1961 إلى عام 2005 حيث توفي في تلك السنة.
م \ ن
دمتم بكل الود
مع تحياتي لكم
لبغداد معالم لا تنسى، ومنها ساعة الأعظمية، التي لها تاريخ طريف وعجيب ذكره لنا "صالح" ابن صانعها "عبد الرزاق محسوب" في كتابه (الساعة الأعظمية)، والذي أوجزناه بهذه الكلمات.
قبل الساعة
تمكّن العثمانيون أن يغنموا مدفعين من الإنكليز في معركة الحويزة التي انتصروا فيها أثناء الحرب العالمية الأولى، ولكن كان لم يستطع العثمانيون إصلاح المدفعين، فتقدم لذلك عبد الرزاق محسوب العبيدي، علماً ان القرار كان يقتضي أنه سيعدم في حال فشله، فوافق، وتمكّن من إصلاحهما.
مع الساعة
في عام 1919 أهديت إلى جامع أبي حنيفة ساعة قديمة، فيها تلف كثير، حاول ناظر الأوقاف إصلاحها، ونشر إعلاناً في جريدة العراق، فتقدّم "محسوب" لهذا العمل، فوجدها –فعلاً- غير قابلة للإصلاح، فاقترح أن يقوم بصناعة ساعة جديدة، فوافقت الأوقاف على طلبه سنة 1921حتى أتمها عام1931 وكانت جميع أجزائها عراقية، فأهداها إلى الأوقاف لينصبوها في جامع أبي حنيفة، وطلب بناء برج لها، فلم يجد الإستجابة لطلبه، وفي عام 1931 زار الملك فيصل الأول كلية دار العلوم الدينية والعربية في الأعظمية، وبعدها زار الملك وعميد الكلية نعمان الأعظمي "محسوباً" ليريا الساعة فأعجب بها الملك، واقترح الحاج نعمان أن تُنصب الساعة في ساحة باب المعظم أمام مكتبة الأوقاف ... وهذا أيضاً لم يتحقق ...
وفي عام 1932 أقيم المعرض الزراعي الصناعي، فطلب محسوب عرضها، فأذهلت الزوار، فوصفها الأديب أمين الريحاني في كتابه (فيصل الأول) بأنها مفخرة العراق، وفي سنة 1952 مرض محسوب، فطلب من ابنه د. صالح أن يراجع الأوقاف، وفي 1953 توفي محسوب، وأخذ ابنه يراجع عليها ويُساعده "محمد بهجت الأثري"، وبعد ثورة 1958 تعين الأثري مديراً عاماً لدائرة الأوقاف، فراجعه د. صالح لذلك، فاعتذر الأثري بقلة واردات الأوقاف.
فقرر د. صالح أن يبني البرج من ماله الخاص، إلا والدته فقد كانت خائفة عليه، فأبوه مات كمداً بسببها، فرجته أن يترك الأمر .. فتركها .. وفي عام 1959 وصل إلى د. صالح كتاب من ديوان مجلس الوزراء فيه الموافقة على بناء برج للساعة، وللموافقة قصة وهي:
ان رجلاً اسمه "علي أصغر"، كانت له علاقة بـ"محمد نجيب الربيعي" رئيس مجلس السيادة، ويزوره بين الحين والآخر، وفي يوم كان عنده فجاء "عبد الكريم قاسم" رئيس الوزراء، فتحدثا حول تشجيع الصناعة الوطنية، فذكر لهم علي أصغر الساعة التي صنعها محسوب فتحمسا لها.
وتم تكليف المهندسين "محب الدين الطائي" و "هشام منير" لهذا العمل، وأخذ د. صالح يجري عليها بعض التعديلات، فوصل الأمر أن نجيب الربيعي رئيس مجلس السيادة أصدر كتاباً يغرّم فيه د. صالح خمسة عشر ألفاً كلفة البرج فضلاً عن الصرفيات الأخرى، وطلب الربيعي إحضار ساعة جديدة من الخارج لوضعها في البرج، فأخبرهم د. صالح أن التعديلات كانت لصالح الساعة نفسها، وأنه سيتم إكمالها حال إتمام بناء البرج، وسانده في موقفه هذا المهندس محب الدين.
الناقوس
من المشاكل التي واجهت د. صالح حول الناقوس أنه لم يجد مَن يصنعه في العراق، فأرسل إلى الشركات الإنكليزية وغيرها، فحصل على عرض جيد، ولكنه فوجئ بكتاب من وزارة الأشغال تخبره فيها بأنه ما دامت الساعة عراقية فيجب أن يكون الناقوس كذلك، فانكب د. صالح يقرأ ويتحرى عن طريقة صنع الناقوس، وبالفعل تم صنع الناقوس الذي كان وزنه 750 كغم وقطر دائرته متر واحد، وعندما أراد رفع الناقوس لم يجد سوى جماعة طلبت منه 1500 دينار ليقوموا بذلك لكنه لم يكن يملك المبلغ، وكان وسط ساحة المسجد شجرة النبك فاتفق مع عمال على ربط رافعة بالشجرة، ومن هذه الرافعة يمتد حبل حديدي متين إلى أعلى البرج ومن ثمَّ يتدلى حبل إلى داخل البرج .. وهكذا تم رفع الناقوس إلى أعلى البرج ..
وفي أواسط عام 1960 بدأت الساعة بالإشتغال، وبعد الإحتلال الأميركي وبالتحديد يوم 10/ 4/ 2004 تعرضت الساعة إلى القصف الأميركي، ثم عاد ديوان الوقف السُنّي لإصلاحها فعادت للعمل عام 2005، وقد تم ترميم البرج بمعونة عدد من الشركات وثلاثة من عائلة محسوب، أمّا السيد فؤاد رشيد محسوب فقد كان هو المسؤول عن إدامة وتشغيل الساعة منذ عام 1961 إلى عام 2005 حيث توفي في تلك السنة.
م \ ن
دمتم بكل الود
مع تحياتي لكم