مدينة الموصل :
مدينة تقع شمال العراق على بعد 396 كيلومتر شمال العاصمة بغداد. وهي مدينة تاريخية قديمة قامت على أنقاض مدينة نينوى الأشورية. وهي أكبر مدن الشمال العراقي و العراق عموماً
نبذة تاريخية
يعود تاريخ الموصل إلى عام 1080 قبل الميلاد عندما اتخذ الآشوريون مدينة نينوى عاصمة لهم وحصنوها فأقاموا حولها القلاع، ومنها القلعة التي كانت في الجهة الغربية من دجلة تقابل مدينة نينوى، وتقع هذه القلعة فوق "تل قليعات" الذي يشرف على السهول الغربية المقابلة لمدينة نينوى، كما يشرف على السهول التي بين نينوى والموصل.
كانت هذه القلعة -الحصن- النواة لمدينة الموصل، فإن مناعة الموقع، وخصب السهول المجاورة لها، وقربها من دجلة، ووجود حامية في الحصن، ووقوعها على طريق رئيسية تصل بين طرفي الهلال الخصيب كل هذا شوق الناس على أن يسكنوا حول هذا الحصن المذكور، وأخذت البيوت تزداد على مر السنين.
وفي سنة 612 قبل الميلاد سقطت مدينة نينوى فدمرها الأعداء وقتلوا أهلها، ولم ينج من سكانها إلا القليل، ولا شك أن التخريب والقتل أصاب الحصن الغربي ومن حوله.
وبعد أن هدأت الأحوال واستتب الأمن في البلاد، تراجع بعض السكان الذين سلموا من سيوف الأعداء إلى نينوى، وأسسوا لهم حصنا على"تل توبة" في نينوى، كما أن قسما منهم رجعوا إلى الحصن الغربي فرمموه وسكنوا فيه. فصار قرب دجلة حصنان أحدهما" الحصن الشرقي" وهو الذي فوق "تل التوبة" يقابله في الجهة الغربية من دجلة " الحصن الغربي" الذي فوق "تل قليعات".
وفي القرن الرابع قبل الميلاد ازدادت العمارة حول الحصن الغربي وصار قرية لها شأن يذكر وقد كان يطلق عليها مسبلا Mespila وقد أصبح لها شأن بعد سقوط نينوى لموقعها المهم الذي يصل بين عدة أقطار، وهذا الموقع نفسه سبب للمدينة ويلات ومصائب عديدة، فقد كانت ساحة للحروب التي استعرت نيرانها بين المتنازعين على الحكم، فكانت الجيوش تكتسحه فتدمر ما به.
وفي عهد كسرى الأول أنوشروان 521 / 579 م كانت الحرب سجالا بين الروم والفرس فأغار الروم وخربوا الموصل، وفي عهد كسرى أبرويز بن هرمز 579 / 590 م اهتم بتعزيز موقع الموصل. فبنى فيها عدة دور وحصنه ا، وأتى ببعض الفرس وأسكنهم فيها فتوسعت المدينة وكانت من معاقل الفرس القوية التي تصد زحف الروم عنها.
وقد لاقت الموصل اهتماما كبيرا من أردشير وسميت باسمه "نيو أردشير " أي أردشير الجديدة وأما الكتبة الآراميون فكانوا يسمونها "حصن عبورايا" أي الحصن الغربي، أما العرب فقد كانوا يسمونها "خولان" كما كانوا يطلقون عليها الحصنين.
وقد تم الفتح الإسلامي للموصل في عام 16هـ / 637 م والقبائل التي اشتركت في الفتح هي (تغلب وأياد والنمر) بقيادة ربعى بن الأفكل العنزي. وقد كانت هذه القبائل منتشرة بين تكريت والموصل ، وقد سكن قسم من هذه القبائل الموصل بعد الفتح، والقسم الكبير منها استمر في الزحف على البلاد المجاورة وخاصة أذربيجان وأرمينيا.
وفي عام 17هـ / 638 م عين الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه عتبة بن فرقد السلمي واليا على الموصل وهو الذي بنى المسجد الجامع، وإلى جانبه دار الإمارة، وكان بها أحد الأجناد الستة التي جندها الفاروق وجعلها تابعة للكوفة.
وفي خلافة عثمان بن عفان كثرت هجرة القبائل العربية إليها خاصة بعد أن توطدت الأمور واستقرت الفتوحات، وأخذ العرب يقطنون البلاد المفتوحة ويتخذونها مقاما لهم. وأول من نزلها من القبائل هي الأزد وطى وكندة وعبد قيس. ونزل منها أربعة آلاف، وأمر عليهم الخليفة عثمان بن عفان "عرفجة بن هرثمة البارقي" وسعى البارقي في توسيع الموصل وتعميرها فاختط منازل العرب فيها، ووسع الجامع الذي كان قد بناه عتبة بن فرقد السلمي.
وفي عهد الخليفة علي ابن أبي طالب رضي الله عنه زادت الهجرة إلى الموصل، فهاجرت القبائل العربية من الكوفة و البصرة ، وهكذا توسعت الموصل واتخذها العرب دار إقامة لهم.
ومن الأبواب الشرقية باب الجسر وهو من أبواب الموصل القديمة أيضا. وبقي معروفا بهذا الاسم إلى أيامنا هذه وهو يقع في مدخل الجسر الخشبي القديم الذي رفع عام 1352هـ / 1934 م على أثر بناء الجسر الحديدي المسمى جسر الملك غازي. وهو من أشهر أبواب المدينة لأنه الباب الوحيد الذي كان يصل المدينة بالجهة الشرقية منها.وباب المشرعة كان يقع قريبا من دور المملكة يؤدي إلى النهر، وقد بنى عليه الملك سيف الدين غازي عام 541 هـ / 1147 م رباطا. والرباط يسمى اليوم مقام عيسى دده.
القلاع:
تقع قلعة الموصل على المرتفعة التي تشرف على نهر دجلة وعين كبريت. وهي في شمال مدينة الموصل وكانت تجاور دور المملكة. ولا يعرف من الذي أنشأ هذه القلعة أول مرة. وأقدم ذكر لها عثر عليه أن البساسيري (450هـ / 1058 م) حاصرها أربعة أشهر وبعد أن استولى عليها هدمها وعفي أثرها. وأن الأتابكيين اهتموا بهذه القلعة فوسعوها وأكملوا عمارتها وصارت تتسع لآلاف من أفراد الجيش. وفيها مخازن للمؤن والعتاد ولوازم الحرب.
ومن الذين اهتموا بعمارة القلعة فرمم سورها وأحكم أبراجها وجدد ما انهدم من مرافقها هو فخر الدين عبد المسيح وزير سيف الدين غازي بن قطب الدين مودود. وكان يحيط بالقلعة سور غير سور مدينة الموصل. ومن أبوابه: باب القلعة وكان يؤدي منها إلى الميدان. وباب السر وكان يؤدي منها إلى النهر من جهة عين كبريت وهو أمنع أبوابها.
وكانت القلعة مركزا هاما في الدولة يكون فيها العتاد والذخيرة. ويتولى حراستها جيش كبير يشرف عليهم دزدار مخلص معروف بالشجاعة والحزم والتدبير. وقد يفوض لدزدار قلعة الموصل النظر في أمور القلاع والإشراف على من فيها.
وقد بقيت القلعة عامرة حتى سنة 660هـ / 1262 م وفي هذه السنة حاصر الموصل سنداغو ونصب عليها المنجنيقات وتحصن في القلعة (ياسان) وشدد المغول الحصار على القلعة، ورموها بالأحجار والنار. ففتحوا المدينة وهدموا قلعتها، وهكذا هدمت هذه القلعة الحصينة وأصبحت خرابا.
البيمارستانات: كان في المدينة بيمارستانان: أحدهما داخل المدينة، والثاني في الربض الأسفل منها ، بناه مجاهد الدين قيماز تجاه جامعه الذي بناه على دجلة، والذي لم يزل باقيا إلى اليوم ويعرف بالجامع الأحمر وهذا البيمارستان جميل جدا، وفيه كل ما يحتاجه المريض من أسباب المعالجة والنزهة والترويح عن النفس والتخفيف عن المريض.
كما كان في المدينة بيمارستان خاص بمعالجة المجانين. وكانت المعالجة في البيمارستان بلا ثمن يدخله المريض فتجري عليه الفحوص اللازمة، ثم يوصف له الدواء، ويعطى إليه من صيدلية البيمارستان، وإذا احتاج المريض أن يكون تحت إشراف طبيب، فإنه كان ينام في البيمارستان ويجري عليه الطعام والشراب والدواء، وكل ما يحتاجه مما يخفف مرضه، ويكون هذا بلا عوض.
المساجد: وجد في الموصل على مر العصور العديد من المساجد والجوامع العظيمة الجميلة، ومن هذه المساجد مسجد خزرج ويقع في محلة خزرج وهو من أقدم مساجد الموصل أسس في القرن الأول للهج رة / السابع الميلادي وسكنت قبيلة خزرج حوله بعد تمصير الموصل فنسب إليها. ولم تزل محلة خزرج تسمى بهذا الاسم ويسكنها بعض البيوت من قبيلة خزرج.
وهناك الجامع الأموي وهو أول جامع بني في الموصل بناه عتبة بن فرقد السلمي عام 17 هـ / 119 م وبنى إلى جنبه دار الإمارة ثم وسعه عرفجة بن هرثمة البارقي. ولما تولى مروان بن محمد الموصل هدم الجامع ووسعه وبنى فيه مقصورة ومنارة وبنى إلى جنبه مطابخ يطبخ بها للفقراء في شهر رمضان، وصار يعرف (بالجامع الأموي).
وفي عام 167هـ / 784 م أمر الخليفة المهدي عامله موسى بن مصعب بن عمير أن يضيف إلى الجامع الأسواق التي كانت تحيط به فهدمها مصعب مع المطابخ وأضافها إلى الجامع ووسعه. وكانت حالة الجامع غير مرضية في القرن الخامس للهجرة / الحادي عشر الميلادي وذلك على عهد الولاة السلاجقة فتداعى بنيانه وترك الناس الصلاة فيه إلا يوم الجمعة. وفي عهد الأتابكيين اهتموا به كما اهتموا بكافة مرافق المدينة وتجديدها فجددوا عمارته عام 543هـ / 1149 م وذلك على يد سيف الدين غازي الأول بن عماد الدين زنكي وكانوا يسمونه الجامع العتيق تمييزا له عن الجامع الجديد -الجامع النوري- واهتم الأتابكيون بتزيينه وزخرفته. والجامع في الوقت الحاضر صغير تقام به الجمعة وقد اتخذ قسم كبير من فنائه مقابر عامة وتسمى مقبرة الصحراء وكانت تسمى مقبرة الجامع العتيق.
ومن الجوامع أيضا الجامع النوري الذي بناه نور الدين محمود زنكي عندما دخل الموصل عام 566هـ / 1171 م وكان في المدينة جامع واحد يجمع به. وقد ضاق بالمصلين خاصة وأن المدينة قد ضاقت بسكانها. وذكروا له أن في وسط الموصل خربة واسعة تصلح أن تكون جامعا كبيرا لوقوعها في وسط أسواق المدينة. فركب نور الدين إلى محل الخربة وصعد منارة مسجد أبي حاضر، وأشرف على الخربة، وأمر أن يضاف إليها ما يجاورها من الدور والحوانيت، وأن تؤخذ من أصحابها برضاهم، بعد أن يدفع إليهم أثمانها.
وقد قام ببناء الجامع شيخ نور الدين وهو معين الدولة عمر بن محمد الملا وبقي يشتغل في عمارة الجامع ثلاث سنوات. وعندما زار نور الدين الموصل مرة ثانية عام 568هـ / 1173 م صلى بجامعه بعد أن فرشه بالبسط والحصر وعين له مؤذنين وخدما وقومة ورتب له كل ما يلزمه. كما أن نور الدين أوقف له أوقافا كثيرة لصيانته وأدامته والصرف على من يتولى أموره. وبن ى به نور الدين مدرسة.
ومن الجوامع أيضا الجامع المجاهدي الذي بناه أبو منصور قيماز بن عبد الله الزيني الملقب مجاهد الدين من أهل سجستان أحد كبار الدولة الأتابكية. وكان في الموصل على عهده جامعان يجمع بهما: الجامع الأموي والجامع النوري. وكان الربض الأسفل كالمدينة بعمرانه وأسواقه ويلاقي سكانه صعوبة في الذهاب إلى أحد الجامعين لأداء صلاة الجمعة. فقرر أن يبني جامعا في هذا الربض ليريح الناس. وفي عام 572هـ / 1177 م باشر بعمارة الجامع واستخدم في بنائه أمهر البنائين والفنانين وصرف عليه مبلغا كبيرا واستمر العمل به خمس سنين فكان من الجوامع المعدودة في بلاد الجزيرة. وأقيمت فيه صلاة الجمعة عام 575هـ / 1180 م قبل أن تكمل عمارته. ولما كملت عمارته عام 576هـ / 1181 م اعتنى مجاهد الدين في تزيينه بكتابات مختلفة وزخارف متنوعة بعضها بالجبس وبعضها بالآجر وبالمرمر المطعم بالصدف. والجامع في الوقت الحاضر أصغر مما كان عليه في العهد الأتابكي ويسمى جامع الخضر أو الجامع الأحمر.
الحمامات: كان في المدينة العديد من الحمامات التي كان يرتادها أهل الموصل. فقد كان بها 200 حمام للرجال تجاورها 200 حمام للنساء، و 10 حمامات خاصة بالبنات فقط. كما تميزت أيضا الموصل بحمامات الاستشفاء. فقد كان في الموصل حمام العليل، وكان من المحلات التي يرتادها أهل الموصل في فصلي الربيع والصيف، وخاصة أصحاب الأمراض الجلدية، فكانوا يستشفون بمائها المعدني الحار. ويكون حمام العليل في الصيف مزدحمة بالسكان، فيبنون لهم عرائش على شاطئ دجلة يسكنونها. ولم يزل حمام العليل على ما ذكرنا حتى وقت قريب.
الأسواق:
كانت أسواق الموصل الرئيسة في العهد الأموي حول الجامع الأموي وهو مركز المدينة في ذلك الوقت يجاوره دار الإمارة. ثم إن إسماعيل بن علي بن عبد الله العباسي نقل الأسواق إلى خارج المدينة عام 137هـ / 755 م وبنى في وسطها مسجد أبي حاضر ويعرف بمسجد الشالجي في الوقت الحاضر.
كما أن الخليفة المهدي كان قد وسع الجامع الأموي عام 167هـ / 784 م وأضاف إليه ما كان يحيط به من الأسواق. وهكذا انتقلت معظم الأسواق الكبيرة إلى قرب الجامع النوري وأخذت تتوسع هذه بتوسع المدينة حتى صارت الأسواق التجارية المهمة تحيط بالجامع النوري وهو في وسط مدينة الموصل على عهد الدولة الأتابكية.
على أن بعض الأسواق بقيت في محلها القديم في شرقي الموصل خاصة الأسواق التي يحتاجها الفلاحون كسوق القتابين وسوق الشعارين وسوق الأربعاء. ونشأت أسواق أخرى قريبة من باب الجسر وهي الأسواق التي كان يمتار منها الفلاحون الذين يقصدون الموصل من الجهة الشرقية.
ويعد سوق الشعارين وسوق القتابين من أقدم أسواق الموصل ويعود تاريخهما إلى القرن الأول للهجرة / السابع الميلادي ولم يزلا معروفين إلى اليوم بهذا الاسم. وسوق الأربعاء وتسمى أيضا المربعة- جهار سوك. فسوق الأربعاء كانت تقع على الأرض التي يطلق عليها "سوق الميدان" في الوقت الحاضر. والتي تمتد إلى قرب باب الجسر بما فيها القسم المجاور لها وتقع على النهر. وسوق الأربعاء من الأسواق القديمة في الموصل ورد ذكرها في أوائل القرن الثاني للهجرة. وبقيت سوق الأربعاء إلى القرن السابع للهجرة تعرف بهذا الاسم.
وهنالك أسواق أخرى كانت في أحيائها الداخلية وفي أرباضها. ففي الربض الأسفل السوق الذي بناه مجاهد الدين قيماز وهو من الأسواق الكبيرة المعلومة في الموصل ومحط التجار الذين يأتون من الجهة الجنوبية.
مدينة تقع شمال العراق على بعد 396 كيلومتر شمال العاصمة بغداد. وهي مدينة تاريخية قديمة قامت على أنقاض مدينة نينوى الأشورية. وهي أكبر مدن الشمال العراقي و العراق عموماً
نبذة تاريخية
يعود تاريخ الموصل إلى عام 1080 قبل الميلاد عندما اتخذ الآشوريون مدينة نينوى عاصمة لهم وحصنوها فأقاموا حولها القلاع، ومنها القلعة التي كانت في الجهة الغربية من دجلة تقابل مدينة نينوى، وتقع هذه القلعة فوق "تل قليعات" الذي يشرف على السهول الغربية المقابلة لمدينة نينوى، كما يشرف على السهول التي بين نينوى والموصل.
كانت هذه القلعة -الحصن- النواة لمدينة الموصل، فإن مناعة الموقع، وخصب السهول المجاورة لها، وقربها من دجلة، ووجود حامية في الحصن، ووقوعها على طريق رئيسية تصل بين طرفي الهلال الخصيب كل هذا شوق الناس على أن يسكنوا حول هذا الحصن المذكور، وأخذت البيوت تزداد على مر السنين.
وفي سنة 612 قبل الميلاد سقطت مدينة نينوى فدمرها الأعداء وقتلوا أهلها، ولم ينج من سكانها إلا القليل، ولا شك أن التخريب والقتل أصاب الحصن الغربي ومن حوله.
وبعد أن هدأت الأحوال واستتب الأمن في البلاد، تراجع بعض السكان الذين سلموا من سيوف الأعداء إلى نينوى، وأسسوا لهم حصنا على"تل توبة" في نينوى، كما أن قسما منهم رجعوا إلى الحصن الغربي فرمموه وسكنوا فيه. فصار قرب دجلة حصنان أحدهما" الحصن الشرقي" وهو الذي فوق "تل التوبة" يقابله في الجهة الغربية من دجلة " الحصن الغربي" الذي فوق "تل قليعات".
وفي القرن الرابع قبل الميلاد ازدادت العمارة حول الحصن الغربي وصار قرية لها شأن يذكر وقد كان يطلق عليها مسبلا Mespila وقد أصبح لها شأن بعد سقوط نينوى لموقعها المهم الذي يصل بين عدة أقطار، وهذا الموقع نفسه سبب للمدينة ويلات ومصائب عديدة، فقد كانت ساحة للحروب التي استعرت نيرانها بين المتنازعين على الحكم، فكانت الجيوش تكتسحه فتدمر ما به.
وفي عهد كسرى الأول أنوشروان 521 / 579 م كانت الحرب سجالا بين الروم والفرس فأغار الروم وخربوا الموصل، وفي عهد كسرى أبرويز بن هرمز 579 / 590 م اهتم بتعزيز موقع الموصل. فبنى فيها عدة دور وحصنه ا، وأتى ببعض الفرس وأسكنهم فيها فتوسعت المدينة وكانت من معاقل الفرس القوية التي تصد زحف الروم عنها.
وقد لاقت الموصل اهتماما كبيرا من أردشير وسميت باسمه "نيو أردشير " أي أردشير الجديدة وأما الكتبة الآراميون فكانوا يسمونها "حصن عبورايا" أي الحصن الغربي، أما العرب فقد كانوا يسمونها "خولان" كما كانوا يطلقون عليها الحصنين.
وقد تم الفتح الإسلامي للموصل في عام 16هـ / 637 م والقبائل التي اشتركت في الفتح هي (تغلب وأياد والنمر) بقيادة ربعى بن الأفكل العنزي. وقد كانت هذه القبائل منتشرة بين تكريت والموصل ، وقد سكن قسم من هذه القبائل الموصل بعد الفتح، والقسم الكبير منها استمر في الزحف على البلاد المجاورة وخاصة أذربيجان وأرمينيا.
وفي عام 17هـ / 638 م عين الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه عتبة بن فرقد السلمي واليا على الموصل وهو الذي بنى المسجد الجامع، وإلى جانبه دار الإمارة، وكان بها أحد الأجناد الستة التي جندها الفاروق وجعلها تابعة للكوفة.
وفي خلافة عثمان بن عفان كثرت هجرة القبائل العربية إليها خاصة بعد أن توطدت الأمور واستقرت الفتوحات، وأخذ العرب يقطنون البلاد المفتوحة ويتخذونها مقاما لهم. وأول من نزلها من القبائل هي الأزد وطى وكندة وعبد قيس. ونزل منها أربعة آلاف، وأمر عليهم الخليفة عثمان بن عفان "عرفجة بن هرثمة البارقي" وسعى البارقي في توسيع الموصل وتعميرها فاختط منازل العرب فيها، ووسع الجامع الذي كان قد بناه عتبة بن فرقد السلمي.
وفي عهد الخليفة علي ابن أبي طالب رضي الله عنه زادت الهجرة إلى الموصل، فهاجرت القبائل العربية من الكوفة و البصرة ، وهكذا توسعت الموصل واتخذها العرب دار إقامة لهم.
ومن الأبواب الشرقية باب الجسر وهو من أبواب الموصل القديمة أيضا. وبقي معروفا بهذا الاسم إلى أيامنا هذه وهو يقع في مدخل الجسر الخشبي القديم الذي رفع عام 1352هـ / 1934 م على أثر بناء الجسر الحديدي المسمى جسر الملك غازي. وهو من أشهر أبواب المدينة لأنه الباب الوحيد الذي كان يصل المدينة بالجهة الشرقية منها.وباب المشرعة كان يقع قريبا من دور المملكة يؤدي إلى النهر، وقد بنى عليه الملك سيف الدين غازي عام 541 هـ / 1147 م رباطا. والرباط يسمى اليوم مقام عيسى دده.
القلاع:
تقع قلعة الموصل على المرتفعة التي تشرف على نهر دجلة وعين كبريت. وهي في شمال مدينة الموصل وكانت تجاور دور المملكة. ولا يعرف من الذي أنشأ هذه القلعة أول مرة. وأقدم ذكر لها عثر عليه أن البساسيري (450هـ / 1058 م) حاصرها أربعة أشهر وبعد أن استولى عليها هدمها وعفي أثرها. وأن الأتابكيين اهتموا بهذه القلعة فوسعوها وأكملوا عمارتها وصارت تتسع لآلاف من أفراد الجيش. وفيها مخازن للمؤن والعتاد ولوازم الحرب.
ومن الذين اهتموا بعمارة القلعة فرمم سورها وأحكم أبراجها وجدد ما انهدم من مرافقها هو فخر الدين عبد المسيح وزير سيف الدين غازي بن قطب الدين مودود. وكان يحيط بالقلعة سور غير سور مدينة الموصل. ومن أبوابه: باب القلعة وكان يؤدي منها إلى الميدان. وباب السر وكان يؤدي منها إلى النهر من جهة عين كبريت وهو أمنع أبوابها.
وكانت القلعة مركزا هاما في الدولة يكون فيها العتاد والذخيرة. ويتولى حراستها جيش كبير يشرف عليهم دزدار مخلص معروف بالشجاعة والحزم والتدبير. وقد يفوض لدزدار قلعة الموصل النظر في أمور القلاع والإشراف على من فيها.
وقد بقيت القلعة عامرة حتى سنة 660هـ / 1262 م وفي هذه السنة حاصر الموصل سنداغو ونصب عليها المنجنيقات وتحصن في القلعة (ياسان) وشدد المغول الحصار على القلعة، ورموها بالأحجار والنار. ففتحوا المدينة وهدموا قلعتها، وهكذا هدمت هذه القلعة الحصينة وأصبحت خرابا.
البيمارستانات: كان في المدينة بيمارستانان: أحدهما داخل المدينة، والثاني في الربض الأسفل منها ، بناه مجاهد الدين قيماز تجاه جامعه الذي بناه على دجلة، والذي لم يزل باقيا إلى اليوم ويعرف بالجامع الأحمر وهذا البيمارستان جميل جدا، وفيه كل ما يحتاجه المريض من أسباب المعالجة والنزهة والترويح عن النفس والتخفيف عن المريض.
كما كان في المدينة بيمارستان خاص بمعالجة المجانين. وكانت المعالجة في البيمارستان بلا ثمن يدخله المريض فتجري عليه الفحوص اللازمة، ثم يوصف له الدواء، ويعطى إليه من صيدلية البيمارستان، وإذا احتاج المريض أن يكون تحت إشراف طبيب، فإنه كان ينام في البيمارستان ويجري عليه الطعام والشراب والدواء، وكل ما يحتاجه مما يخفف مرضه، ويكون هذا بلا عوض.
المساجد: وجد في الموصل على مر العصور العديد من المساجد والجوامع العظيمة الجميلة، ومن هذه المساجد مسجد خزرج ويقع في محلة خزرج وهو من أقدم مساجد الموصل أسس في القرن الأول للهج رة / السابع الميلادي وسكنت قبيلة خزرج حوله بعد تمصير الموصل فنسب إليها. ولم تزل محلة خزرج تسمى بهذا الاسم ويسكنها بعض البيوت من قبيلة خزرج.
وهناك الجامع الأموي وهو أول جامع بني في الموصل بناه عتبة بن فرقد السلمي عام 17 هـ / 119 م وبنى إلى جنبه دار الإمارة ثم وسعه عرفجة بن هرثمة البارقي. ولما تولى مروان بن محمد الموصل هدم الجامع ووسعه وبنى فيه مقصورة ومنارة وبنى إلى جنبه مطابخ يطبخ بها للفقراء في شهر رمضان، وصار يعرف (بالجامع الأموي).
وفي عام 167هـ / 784 م أمر الخليفة المهدي عامله موسى بن مصعب بن عمير أن يضيف إلى الجامع الأسواق التي كانت تحيط به فهدمها مصعب مع المطابخ وأضافها إلى الجامع ووسعه. وكانت حالة الجامع غير مرضية في القرن الخامس للهجرة / الحادي عشر الميلادي وذلك على عهد الولاة السلاجقة فتداعى بنيانه وترك الناس الصلاة فيه إلا يوم الجمعة. وفي عهد الأتابكيين اهتموا به كما اهتموا بكافة مرافق المدينة وتجديدها فجددوا عمارته عام 543هـ / 1149 م وذلك على يد سيف الدين غازي الأول بن عماد الدين زنكي وكانوا يسمونه الجامع العتيق تمييزا له عن الجامع الجديد -الجامع النوري- واهتم الأتابكيون بتزيينه وزخرفته. والجامع في الوقت الحاضر صغير تقام به الجمعة وقد اتخذ قسم كبير من فنائه مقابر عامة وتسمى مقبرة الصحراء وكانت تسمى مقبرة الجامع العتيق.
ومن الجوامع أيضا الجامع النوري الذي بناه نور الدين محمود زنكي عندما دخل الموصل عام 566هـ / 1171 م وكان في المدينة جامع واحد يجمع به. وقد ضاق بالمصلين خاصة وأن المدينة قد ضاقت بسكانها. وذكروا له أن في وسط الموصل خربة واسعة تصلح أن تكون جامعا كبيرا لوقوعها في وسط أسواق المدينة. فركب نور الدين إلى محل الخربة وصعد منارة مسجد أبي حاضر، وأشرف على الخربة، وأمر أن يضاف إليها ما يجاورها من الدور والحوانيت، وأن تؤخذ من أصحابها برضاهم، بعد أن يدفع إليهم أثمانها.
وقد قام ببناء الجامع شيخ نور الدين وهو معين الدولة عمر بن محمد الملا وبقي يشتغل في عمارة الجامع ثلاث سنوات. وعندما زار نور الدين الموصل مرة ثانية عام 568هـ / 1173 م صلى بجامعه بعد أن فرشه بالبسط والحصر وعين له مؤذنين وخدما وقومة ورتب له كل ما يلزمه. كما أن نور الدين أوقف له أوقافا كثيرة لصيانته وأدامته والصرف على من يتولى أموره. وبن ى به نور الدين مدرسة.
ومن الجوامع أيضا الجامع المجاهدي الذي بناه أبو منصور قيماز بن عبد الله الزيني الملقب مجاهد الدين من أهل سجستان أحد كبار الدولة الأتابكية. وكان في الموصل على عهده جامعان يجمع بهما: الجامع الأموي والجامع النوري. وكان الربض الأسفل كالمدينة بعمرانه وأسواقه ويلاقي سكانه صعوبة في الذهاب إلى أحد الجامعين لأداء صلاة الجمعة. فقرر أن يبني جامعا في هذا الربض ليريح الناس. وفي عام 572هـ / 1177 م باشر بعمارة الجامع واستخدم في بنائه أمهر البنائين والفنانين وصرف عليه مبلغا كبيرا واستمر العمل به خمس سنين فكان من الجوامع المعدودة في بلاد الجزيرة. وأقيمت فيه صلاة الجمعة عام 575هـ / 1180 م قبل أن تكمل عمارته. ولما كملت عمارته عام 576هـ / 1181 م اعتنى مجاهد الدين في تزيينه بكتابات مختلفة وزخارف متنوعة بعضها بالجبس وبعضها بالآجر وبالمرمر المطعم بالصدف. والجامع في الوقت الحاضر أصغر مما كان عليه في العهد الأتابكي ويسمى جامع الخضر أو الجامع الأحمر.
الحمامات: كان في المدينة العديد من الحمامات التي كان يرتادها أهل الموصل. فقد كان بها 200 حمام للرجال تجاورها 200 حمام للنساء، و 10 حمامات خاصة بالبنات فقط. كما تميزت أيضا الموصل بحمامات الاستشفاء. فقد كان في الموصل حمام العليل، وكان من المحلات التي يرتادها أهل الموصل في فصلي الربيع والصيف، وخاصة أصحاب الأمراض الجلدية، فكانوا يستشفون بمائها المعدني الحار. ويكون حمام العليل في الصيف مزدحمة بالسكان، فيبنون لهم عرائش على شاطئ دجلة يسكنونها. ولم يزل حمام العليل على ما ذكرنا حتى وقت قريب.
الأسواق:
كانت أسواق الموصل الرئيسة في العهد الأموي حول الجامع الأموي وهو مركز المدينة في ذلك الوقت يجاوره دار الإمارة. ثم إن إسماعيل بن علي بن عبد الله العباسي نقل الأسواق إلى خارج المدينة عام 137هـ / 755 م وبنى في وسطها مسجد أبي حاضر ويعرف بمسجد الشالجي في الوقت الحاضر.
كما أن الخليفة المهدي كان قد وسع الجامع الأموي عام 167هـ / 784 م وأضاف إليه ما كان يحيط به من الأسواق. وهكذا انتقلت معظم الأسواق الكبيرة إلى قرب الجامع النوري وأخذت تتوسع هذه بتوسع المدينة حتى صارت الأسواق التجارية المهمة تحيط بالجامع النوري وهو في وسط مدينة الموصل على عهد الدولة الأتابكية.
على أن بعض الأسواق بقيت في محلها القديم في شرقي الموصل خاصة الأسواق التي يحتاجها الفلاحون كسوق القتابين وسوق الشعارين وسوق الأربعاء. ونشأت أسواق أخرى قريبة من باب الجسر وهي الأسواق التي كان يمتار منها الفلاحون الذين يقصدون الموصل من الجهة الشرقية.
ويعد سوق الشعارين وسوق القتابين من أقدم أسواق الموصل ويعود تاريخهما إلى القرن الأول للهجرة / السابع الميلادي ولم يزلا معروفين إلى اليوم بهذا الاسم. وسوق الأربعاء وتسمى أيضا المربعة- جهار سوك. فسوق الأربعاء كانت تقع على الأرض التي يطلق عليها "سوق الميدان" في الوقت الحاضر. والتي تمتد إلى قرب باب الجسر بما فيها القسم المجاور لها وتقع على النهر. وسوق الأربعاء من الأسواق القديمة في الموصل ورد ذكرها في أوائل القرن الثاني للهجرة. وبقيت سوق الأربعاء إلى القرن السابع للهجرة تعرف بهذا الاسم.
وهنالك أسواق أخرى كانت في أحيائها الداخلية وفي أرباضها. ففي الربض الأسفل السوق الذي بناه مجاهد الدين قيماز وهو من الأسواق الكبيرة المعلومة في الموصل ومحط التجار الذين يأتون من الجهة الجنوبية.